U3F1ZWV6ZTI3ODMwNDEyOTk3MjgzX0ZyZWUxNzU1NzgzMTAzODM5Ng==

همسات الروح

خرجت صوب مسجد الحي للصلاة و الترويح  عن الروح ذات عشاء .. الدروب تعج بالمارة ، و ضجيج الأطفال .. يلعبون و يركضون في كل اتجاه .. 

مررت عبر المصلى  ( و هو حي يمتد من ساحة الفدان القديم .. او المشور اليوم حيث يتواجد القصر الملكي .. إلى باب الرموز  _أحدى أبواب المدينة العتيقة _)  .. هو حي تاريخي عرف العديد من الجنسيات و الأعراق و آخرها الهنود ، الذين كانوا يبيعون الساعات و البخور و العطور .. التي لا تكاد تشتم بعضا من روائحها العبقة ، و ما تزال أوصاف شيوخ الحي ، تأثثه بأنواع من الند الهندي و البخور .. و ما تزال ذكرياتهم تشعل قناديل الجمال في ذاك الحي ... آنذاك حيث كان ممرمرا ( أي كان من المرمر الرخام أرضيته ) و البنايات ، جدرانها مغلفة بزليج إسباني أندلسي .. بألوانه الزاهية التي تسر الناظرين ..
 يتوسطه مدخل حي آخر .. هو حي القدس *.. و يرتبط بعدة أزقة و دروب تحمل أسماء مدن فلسطينية .. كغزة و رفح و رام الله و الخليل و نابلس و حيفا يافا و عكا ..
هبت رياح خفيفة سرحت بالروح في همس يقول لي أتتذكر ...  حينما كنا نلعب و نجري ، هنا ؟... و كنا نرى الأسماء التي تعلوا الازقة لمدن فلسطين .. ألم نكن نرتبط بتلك الأسماء ارتباطا وجدانيا !؟ بل ارتباط هوية !؟ ألم تكن تلك الأسماء نقوشا فينا ؟..  قلت نعم ؛ كنا نرى أنفسنا من تلك المدن جميعها ، بحيث لا يفرق بين مدينة و مدينة ، إلا خطوات قليلة .. اتذكر كيف كنا نلعب في غزة ، و نركض حتى حيفا ، و نختبئ في يافا ، و نجتمع في عكا .. و نتحلق على طاولة العم الحسين .. بائع الحلوى ، على مدخل الخليل ..  و نروي عطشنا من رام الله ، نعرج على نابلس ... و نطارد أحلامنا في عكا ..  بغير معابر .. و لا جدران ، و لا أسوار .. بل بلا جوازات سفر ! و نحن في القدس كحي جامع لجميع هذه الأزقة ..
بلغت الثلث الاول من الحي .. حيث
 يتواجد .. مسجد الحي و سمي بمسجد الأندلس ..
بني بسواعد شباب الحي و رجالاته في العام الذي ولدت فيه .
سمي بذاك الإسم ، و ربما لم يكن المسجد يحمل اوصاف بناء الأندلسيين ، و لكن حمل أوصاف بناء تواقين للعودة من أحفاد أحفادهم .. و كأنهم بذالك يتحدون العصور و ينقشون نقوش البقاء .. إمعانا في ترسيخ الحق في الذاكرة  بكل ما هو مغتصب منا كمسلمين ، حتى لا ننسى حقنا . و لكي نطالب به ، فما ضاع حق وراءه طالب ..
 كبرت بين هذه الأسماء المحرومة منها أمتي ، و كبرت مع الأسماء  .. حكاية عشق لا يموت . فالعشق للقدس و أخواتها ؛ و للأندلس و أيامها . عشق طفولي ؛ كبرت أنا .. و العشق لم يزل صبيا ، يعبث بكياني ،  و مشاعري  و يرسم على جدران القلب هذه الأسامي ..
كبرت مع سؤال حيرني و لازال .. لم أجد جوابا على ذاك السؤال ! ..
 أفلسطيني أنا ، و  لاجئ في بلدي !؟ .. أم مغربي .. !؟ لاجئ قلبه في فلسطين ..
نادى المنادي بصوت يرج الأرواح يدغدغها بندائه الصريح بالتكبير ... الله أكبر الله اكبر ..
حان موعد صلاة العشاء .. دخلت للمسجد و أنا أردد كلمات الآذان ..
كفكفت دموع الروح الهائمة في ذكريات الصبا ..
و الهمس يردد في أذني ..  في الأقصى إن شاء الله .. صلاة في الأقصى إن شاء الله

بقلم: #ياسين_بن_مسعود

* حي القدس .. إسمه القديم الملاح .. حيث كان يستوطن اليهود في مدينة تطوان شمال المغرب .. و كانت تحمل أسماءا لشخصيات يهودية دينية في الغالب ..
بعد هروبهم .. و ترحيلهم .. و رحيلهم ..
تحولت أسماء الأزقة فيه و الدروب إلى أسماء مدن فلسطين الحرة .
و هذه الأسماء و الشخصيات و الازقة الواردة في السرد أعلاه حقيقية و ليست من وحي الخيال ..
تحياتي




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

الاسمبريد إلكترونيرسالة